وصـلتـنـى رسـالة من رجل يبلغ من العمر اربعين عاما يسكن مدينة " لاهيجان " فى محافظة " جيلان " ، وقد ذكر لى فـيـهـا القـصـّة العـجـيـبـة التـاليـة الّتـى وقـعـت وقـائعـهـا قـبـل عـشـريـن عـامـا ، وهـى تـنـاسـب هـذا الفصل من الكتاب :
لى بـيـت يـقـع فـى ضـاحـيـة مـن ضـواحـى مـديـنـة " لاهـج "((13))
عـبـر طـريـق " سـيـاهـكل "((14))
، يشرف على مزرعة شاى . جلست يوما قرب المزرعة ، وكان الجوّ صيفا ، وانا اشخص ببصرى نحو باب المزرعة ، فاءبصرت شابّا وسيما يقف وراء الباب وهو ينظر الىّ . فقمت من مكانى واتّجهت صوبه ؛ لاسـاءله عـمّ يـريـد ، وعـن سـبـب دخوله المزرعة . فاءذهلنى مرآه ! اذ اخذ يتلاشى شيئا فشيئا كلّما اقترب منه حتّى اصبح كالذرّة ، ثمّ غاب تماما عندما اصبحت المسافة بينى وبينه عشرة امتار ! فارتبت فى هذا الامر ، وتخالجنى فـيـه شـك ، وحـدّثـت نفسى :
لعلّ هذا الشاب قد تمثّل لى ، وعدت من حيث اتيت . وحينما صوّبت نظرى نحو الباب ثـانـيـة رايـتـه - كـمـا فـى المـرّة الاولى - يـقـف وراء البـاب وهو ينظر الىّ ، وكاءنّه يريد ان يتفوّه بشى الاّ انّ الخـجـل يـتـمـلّكـه فيحجم عن الكلام . فنهضت من مكانى وصرخت باءعلى صوتى وانا خائف :
من انت ؟ وماذا تريد ؟ والى اين ذهبت قبل قليل ؟ وكيف غبت ؟ فاءجابنى بصوت رخيم :
اريد ان آنسك واسلّيك ؛ لانّك اغثت مظلوما وانقذته من ظالم ، فعلىّ ان اوقفك على بعض الحقائق ، وهى بمثابة مكافاءة لك .
فقلت له :
ما اسمك ؟ ومن اين اتيت ؟ اجابنى قائلا :
لازلت فى هيئة لاتخطر على بالك ، فلذا لايمكننى ان اسمّى نـفـسـى بـاسـم ، ولعـلىّ فـى المـسـتقبل القريب اصير ذاهيئة ويطلق علىّ اسم ، فيمكننى حينئذ ان اعرّفك بنفسى .
فقلت له :
اقترب منّى ؛ لكى نقعد معا ونتحدّث عن كثب ، وهذا لايمكن ونحن متباعدان .
قـال :
لا اسـتـطـيـع الاقـتـراب مـنـك اكـثـر مـن هـذا ، ولكـنـّنـى احـاول ان اوصل صوتى اليك كما تسمع صوت من يقعد جنبك ، وساءسمع صوتك حتّى ولو كان واطئا .
ولمـّا تـجـاذبنا اطراف الحديث احسست بصوته قريبا منّى ، على الرغم من انّ المسافة بينى وبينه تقدّر بثلاثين مـتـرا . وكـان يـظـهـر لى فـى نـفس المكان كلّ يوم قبل غروب الشمس بساعة تماما ، ويغيب عنّى عند غروب الشمس مـبـاشـرة ، واسـتـمـر الحـال عـلى هـذا المـنـوال مـدّة عـشـرة ايـّام مـتـواليـة . وكـنـت اذهـب بعض الايّام الى ذلك المكان قـبـل المـوعـد بـدقـائق فلااراه فيه ، وكان يظهر حين وصول اشعّة الشمس الى المكان الّذى يقف فيه ، ويتلاشى شـيـئا فـشـيـئا بـغـيـاب الشـمـس ثـمّ يضمحلّ . ونهضت من مكانى مرّة حينما ظهر ، واتّجهت نحوه بدافع حبّ الاطّلاع ، واقـتـربـت مـنـه عـلى بـعـد عـشـرة امـتـار ، فـمـا كـان مـنـه الاّ ان تـضـاءل ثـمّ غـاب ، وعـنـد مـا ظـهـر ثـانـيـة قـال :
دعـنـى اعـلّمـك مـا اعـلم . ومـمـّا يـثـيـر الانـتـبـاه هـو انـّى مـا كـنـت اشـعـر بـخـوف او وجـل طـيـلة هـذه المـدّة ابـدا ، عـلى الرغم من كونى وحيدا فى المزرعة ؛ اذ اصبح امره ماءلوفا بالنّسبة الىّ ، فلم يـخـطـر عـلى بـالي فـيـمـن هـو ؟ وما عمله ؟ ولم اعر له اهتماما ؛ بحيث انّى ما اخبرت احدا باءمره وما ساءلته فى اليوم الاخير لرحيله عن محلّه ، وما حزنت حين رحيله عنّى .
ومـن الجـديـر بـالذكر انّى ما كنت المّ باءىّ شى من علوم الاسلام واحكامه ، على الرغم من كونى شابّا ، وقد علّمنى خـلال عـشـرة ايـّام عـلومـا واحـكـامـا ضـروريـّة . ولم اره بعد تلك المدّة ، الاّ انّه طرق سمعى ليلة صوت على غرار صوته ايقظنى من نومى ، فاءسرعت الى المكان الّذى كان يقف عنده وكان الظلام مدلهمّا ، فلم ار سوى شى نظير شـرارة النـار لكنّها بيضاء فى نفس المكان الّذى كان يقف فيه ، وحينما اقتربت منه غاب . وفى العام الماضى - اىّ بـعـد تصرّم تسعة عشر عاما على تلك الحادثة - كنت قاعدا فى الموضع الّذى الفته ، وقد طرا على المزرعة بـعـض التـغيير ؛ حيث غرست اشجارا محلّ الشاى ، وكان باب المزرعة مفتوحا . وفى هذه اللحظة رايت ذلك الشابّ بـنـفـس هـيـئتـه المـعـهـودة يـنـقـر البـاب بـاءصـابـعـه ؛ طـالبـا الاذن مـنـّى لدخـول المزرعة ، فهتفت به :
تفضّل بالدخول ، ولم اقترب منه كما هى عادتى معه سابقا ، ولكن هو اقترب منّى هـذه المـرّة ، تـقدّم نحوى وهديته الى غرفتى ، فرحّبت به واكرمته . ثمّ التفتّ اليه قائلا :
انّ شكلك لم يتغيّر قـط مـنـذ تـسـعـة عـشـر عـامـا ، الاّ انّ سـلوكـك فـقـط قـد تـغـيـّر ، فـقـال :
لاافـقـه مـا تـقـول ، انّ عـمـرى لايـتـجـاوز ثـمـانـيـة عـشـر عـامـا ، كـمـا انـّى لم ازر مـديـنـة " لاهـج " مـن قـبـل ، وجـئت الى هـنـا بـرفقة ابى قبل بضعة ايّام ؛ كى نخلد الى الدعة ونتمتّع بنسيم البحر ، فليس الامر كما تقول .
وحـاولت عـبـثـا اقـنـاع نـفـسـى بـاءنّ مـا حـدث كـان مـنـّى زلّة ، ولكـنّ جـهـودى بـاءت بالفشل ؛ اذ انّ هيئته هى بعينها ونبرة صوته هى هى ، فرايت ان اختبره لاطمئن نفسى .
فبادرته بالسؤ ال :
لماذا اتيت الى مزرعتى اذا ، فردّ قائلا :
ان كنت قد ضايقتك فساءعود من حيث اتيت ، قلت :
ما كـنـت ارمـى الى ذلك ، الاّ انـّى ارجـو مـنـك ان تـجـيـب عـلى اسـئلتـى بـدون احـراج ؛ لانّ هـذا الامـر يـهـمـّنى كثيرا .
فـقـال :
لقـد فـادتـنـى قـدمـاى الى هـذا المكان ، فتعلّق قلبى به تعلّقا شديدا ، ولا اعلم ما الباعث على ذلك ، فاستاءذنتك لدخول المزرعة .
ثـمّ اردف حـديـثـه بـالقـول :
ومـمـّا يـثـيـر دهـشـتـى هـو انـّى اتـصـوّر شكل هذه المزرعة كان مغايرا لما هو عليه الا ن ، ولا اجد تحليلا لتصوّرى هذا . فقلت :
حسنا ، كيف كان شكلها مثلا ؟ قـال :
كـانـت المـزرعـة تـحـفـل بـجـنـبـة الشـاى ، امـّا الا ن فـقـد حـلّت الاشـجـار مـحـلّهـا ، اليـس مـن الافـضـل ان تـسـتـاءصـل الاشـجـار وتـغـرس الشـاى مـحـلّهـا ؟ فـقـلت :
كـان الامـر كـمـا تـقول قبل عشرين سنة ، الاّ انّ الاشجار كانت غراسا فنمت ، فالشجرة سادت والجنبة بادت ، وسوف اجتثّ الاشجار واغـرس الشـاى ثـانـيـة عـملا باقتراحك ، وسوف تعود المزرعة الى سابق عهدها ان شاءاللّه بشرط ان تضيفنى كلّما زرت " لاهج " . قال :
تسرّنى رؤ يتك والا قامة فى منزلك ، ولكن يجب ان استاءذن ابى فى هذا الامر .
ثـمّ قـلت له :
مـا اسـمـك ؟ قـال :
كـمـا تـرانـى الا ن بهذه الهيئة امامك ، ان ابى اطلق علىّ اسم " مهدى " . فتداركت جـوابـه بـسـؤ الى :
مـاذا تـعـنـى بـقـولك :
كـمـا تـرانـى الا ن بـهـذه الهـيـئة امـامـك ؟ قال :
لااعلم ، انّ ذلك جرى على لسانى .
وهـنـا تـبـادر الى ذهـنـى انـّى سـاءلتـه قـبـل عـشـريـن سـنـة عـن اسـمـه فـقـال حينها :
لازلت فى هيئة لاتخطر على بالك ، فلذا لايمكننى ان اسمّى نفسى باسم . وتذكّرت انّه بيّن لى احـكـامـا ومسائل دينية ، وكان العلماء حولها مختلفين . فساءلته عن بعضها ، فاءبدى جهله بها بحركة من كتفيه ، وعقّب بالقول :
انا لا ادرك ما تقول ؛ لانّى ما درست العلوم الدينية . فقلت له :
صارحنى بكلّ ما يخطر على بالك ؛ لانّ ذلك يـعـنـيـنـى عـناية فائقة . قال :
ان كان الموضوع بهذه الخطورة فالاولى برايى ان يكون الاستجواب مطابقا لما حدث لى سابقا بدون ادنى تفاوت واختلاف . فساءلته :
اىّ المواقع من المزرعة يثير اعجابك وتركن اليـه نـفـسـك ؟ قـال :
انّى آنس بتلك الزاوية ( واشار بيده الى باب المزرعة ) ولا ادرى ما السبب ؟ اذ حين قدومى الى هنا دفعنى دافع للوقوف فيه ! وهـنـا انـجـلى الريـب ، فـهـذا الشـابّ هـو نـفـسـه الّذى كـان يـتـردّد الىّ قـبـل عـشـريـن سـنـة ؛ فـلقـد دلّ عـلى المـوضـع الّذى اعـتـاد الوقـوف فـيـه خـلال الايـّام العـشـرة . فـقـلت له :
ايـمـكـنـنـى الالتـقـاء بـاءبـيـك ؟ قال :
نعم . ذهبنا معا الى بيت مضيّفه ، وهو احد اصدقائى .
سـاءلت ابـاه :
مـا عـمـر ولدك ؟ قـال :
سـبـع عـشرة سنة ، فقلت :
ارجو منك ان تذكر لى نبذة مختصرة عن حياته .
قال :
ولكن لماذا هذا الطلب ؟ فقلت :
لى قصد وراء ذلك ، وربّما ساءشرحه لك . فاستعرض لى لمحة من حياته مـنذ ولادته حتّى لحظة لقائى معه ، ولم تكن فى حياته مواقف تثير الاهتمام . وانّى عزفت عن اخباره بحقيقة الامر ؛ لانـى لا اسـتـطـيـع تـفـهـيـمـه بـذلك ، وكـلّ مـا ذكـرتـه له هـو رؤ يـتـى لابـنـه فـى الحـلم قبل عشرين عاما بصورة مختصرة ، وانّه لقّننى بعض العلوم ولازلت احفظها ، فهو بمثابة الاستاذ بالنسبة الىّ ، واحبّ ان تبقى هذه الصلة بيننا دوما .
وخـتـم رسـالتـه بـالقـول :
ارجـو مـنـك ان تـوافـيـنـى بـتـخـريـج وتحليل لهذه الحادثة العجيبة .
وانا بدورى كتبت له جوابا مفصّلا ، اليك ملخّصه :
انّ ارواح البـشـر - طـبـق مـا روى عـن ائمـّة المـسـلمـيـن الاوائل - كـانـت تـحـيـى قبل عالمنا هذا بسنين ، ولها علم جمّ وقدرة على التصرّف كيفما تشاء . وكانت تتالف و تتعاشر فى ذلك العالم ، ولهـا ابـدان صـغـيـرة نـظـيـر ابـدان هـذا العالم . ويستفاد من الروايات انّها تاءنس فى هذا العالم اكثر بالبقاع والاشخاص الّذين راتهم او عاشرتهم فى ذلك العالم حتّى وان لم تتذكّر مكان وزمان رؤ يتهم ، وقد تطرّقت الى هذا الموضوع بصورة مفصّلة فى كتاب " بين يدى الاستاذ " .
يتحدّث مع بنت الجيران
انـقـل اليـك عـزيـزى القـارى ادنـاه حـكـاية كتبها احد العلماء فى كتاب " عالم ماوراء القبر " بنصّها ، وهى نظير الحكاية اعلاه .
كـتـب لى السيّد " م " وهو دكتوراه فى الهندسة رسالة ، هذا نصّها :
كنت انام مع سائر افراد اسرتى فى ليلة من ليـالى الصـيـف اللافـح عـلى سـطـح مـنـزلنا ، كما كان يفعل النّاس . وكان عمرى آنذاك خمس سنوات ، وكنت انام مـلاصـقـا لامـّى . وفجاءة ايقظتنى من نومى فتاة جميلة تناهز الخامسة من عمرها ايضا ، فجلست وتجاذبت معها اطراف الحـديـث فـى بـراءة الطـفولة ، دونما سابق عهد او معرفة بها ، الاّ انّه كنت اشعر فى قرارة نفسى انّى اعرفها .
واسـتـيـقـظـت امـّى من النوم وساءلتنى على الفور :
مع من تتحدّث ؟! قلت :
مع بنت الجيران . . . فاءجالت نظرها حـواليـهـا فـلم تـجـد شـيـئا ، ثـمّ قـالت :
افـى سـاعـة مـتـاءخـرّة مـن الليـل تـتـحـدّث مـع بـيـت الجـيران ؟! ولكن اين هى اذا ؟ انت تحلم يا عزيزى ، نم ولا تحدّث ضجيجا ، دع النّاس يتوسّدون الراحة .
وانـا الا ن قـد بـلغت الاربعين ، ولازالت الفتاة تاءتى لزيارتى اغلب الليالى ، وهى ايضا قد كبرت واصبحت جـمـيـلة وخـلاّبـة . وفـي ذات يـوم كـانـت السـاعـة الثـانـيـة بـعـد مـنـتـصـف الليـل تـقريبا ، فاءحسست بشخص يوقظنى من نومى ، وحينما فتحت عينىّ رايتها تشدّ ازرار قميصى ، ثمّ ودّعتنى عند طلوع الفجر وانصرفت . ولايتخالجنى شك فى انّ هذه الفتاة الاعجوبة تقف حائلا بينى وبين الفتيات الاخر ؛ اذ كلّما اقدم على خطبة فتاة انفر منها بدون سبب عند رؤ يتها .
ولا انـكـر انـّهـا قـد اعـانـتـنـى وقـدّمـت لى خـدمـات كـثـيـرة طـيـلة هـذه المـدّة ، فـاءنـا مـديـن لهـا فـى مـضـمـار اكمال الجامعة والدراسات العليا ، واملى الوحيد هو ان اراها متجسّدة فى جسم ، وتكون زوجة لى الى نهاية عمرى .
وقـد قـمـت بـرحـلات عـديدة الى اوربا ؛ لاقف على سرّ هذه الفتاة ، واكشف كنه علاقتها بى ، الاّ انّى قد اخفقت فى ذلك ؛ اذ لم اعـتـر عـلى جـواب مـقـنـع يـشـفـى غـليـلى ، ويـرضـى دخـيـلى .
وخـلال هـذه المـدّة المـديـدة هـدّت الفـتاة ركنى ، واطارت الرقاد عن عينى ؛ لانّى اعدّ من طبقة المثقّفين الّذين لايقرّون بالخرافات ، ولا زالت تزورنى الى الا ن كلّ اسبوع او اسبوعين .
ومـمـّا يـجـدر ذكـره هـو انـّهـا تـحـيـط بـجـمـيـع شـؤ ونـى ، وتـعـلم مـا يـدور فـى خـلدى وانـا انـقـادلهـا مـرغـمـا ، واعمل بكلّ ما تشير علىّ طائعا ؛ لانّ تبعات ذلك لصالحى .
يا ليتنى اظفر بها فاءبلغ منيتى .
ارجو منك ان تحلّ هذا اللغز ، وانت لعمرى حلاّل للعقد ، كاف للمهمّات .
واقعة عجيبة
جاء فى كتاب " الروح " فى الصفحة ( 110 ) منه تحت عنوان " واقعة عجيبة " ما ياءتى :
ذكـر " ولزلى تـودوزپـول " وهـو ضـابـط بـريـطـانـى بـرتـبـة رائد هـذه القـصـّة خلال رحلة له الى مصر .
حـيـنـمـا زرت مـعـبـد " الكـرنـك " المـشـهـور لرؤ ية الا ثار المصرية القديمة ، والتفرّج على المسلّة الفرعونية المـقـدّسـة لدى الكـهـنـة قـديـمـا ، شـعـرت بـغـتـة كـاءنّ يـتـّارا كهربائيا يسرى الى جسمى ، ثمّ اصبت بالدهشة والذهـول ، وسـيـطـرت عـلى كـيـانـى حـالة غـريـبـة ، وكـانـت الافـكـار تـعـصـف بـذهـنـى ، وفـى هـذا الحـال كـنـت اكـابـد وطـاءة الطـاقـة الكـهـربـائيـة ، واسـتـغـرقـت هـذه الحـالة مـدّة عـلى هـذا المـنـوال ، حـتـّى احسست باءنّى قد تحرّرت من البعد الزمنى ، ورحلت الى العصور المتمادية فى القدم ، وكاءنّ الزمـان كـان قـبـل آلاف مـن السـنـيـن ، فـوقـفـت امـام المـسـلّة فـى نـفـس هذا المعبد ، وكان جمع من كبار الكهنة يطوف حول المسلّة وهم يتفوّهون بالدعاء والتبجيل .
واسـتـرسـل الكـاتـب فـى سـرد بـقـيـّة القـصـّة بـهـذه الكـيـفـيـة تـفـصـيـلا ، وخـتـم حـديـثـه بالقول :
القى فى روعى انّى شاهدت هذا المعبد منذ آلاف السنين .
حكاية قسّ إ نجليزى
جاء فى الصفحة ( 110 ) من كتاب ( الروح ) ايضا مايلى :
انـقـل لك عـزيـزى القـارى ء حـادثـة وقـعـت لقـسّ إ نـجـليـزى راى ( رومـا ) قبل قرون فى اليقظة .
غادرت إ نجلترا لاوّل فى حياتى ، متوجّها صوب ( روما ) عاصمة إ يطاليا ؛ لمشاهدة آثارها القديمة ، وحينما كنت اجـيـل ببصرى حول تلك الا ثار المندرسة ، والخرائب المنطمسة تبادر الى خلدى فجاءة شعور باءنّى شاهدت هذه العـمـارات مـن قـبـل والفـتـهـا ، وكـاءنـّى قـد عـشـت سـنـيـن طـوال فـى ظـلّهـا . ولم يـقـتـصـر الامـر عـلى هـذا الحـدّبل وصفت لصاحبى الذى يرافقنى صفات مغارات الرومان القديمة ومقابرهم وصفاء دقيقات ، ففغر هذا فاه تـعـجـّبـا مـن وصـفـى الدقـيـق . وزرت انـا وصـديـقـى آثـار ( ديـلى تـورهـيـد ) فـى إ يـطـاليـا اوّل مـرّة ايـضـا ، وكـان المـكـان جـالبـا للنـظـر ، وقـد اعجب به صديقى إ عجابا منقطع النظير . وقد شرح لى الحوادث التى جرت على مسرحها خلال تاريخها الحافل بالاحداث ، وكنّا قرب احد الشوارع الرومانية القديمة .
ودون سـابـق إ نـذار ايـّدت كـلامـه بـقـولى كـمـا لو كـنـت مـطـّلعـا بـكـلّ شـيـى ء :
اجـل ! مـا تـقـوله صـحـيـح ، وشـرعـت بـوصـف الشـارع بـدقـّة . واسـتـطـعـنـا العـثـور عـلى الشـارع بـسـرعـة مـن خـلال الوصـف الدقيق الذى وصفته . وحينما وصلنا إ ليه تبادر الى ذهنى فجاءة وبدون اختيار انّى مشيت عليه منذ قرون سابقة . وممّا يثير الانتباه هو انّى حينما كنت ابين تفاصيل ذلك المكان كنت اتريّث فى كلامى بين الحين والا خـر ، وكـاءنّنى تلميذ يجترّ من ذهنه ما تعلّمه ، فكنت افرغ مجهودى لكى استحضر ما نسيته ! وبعد ايّام من إ قامتنا زارنا احد القساوسة الايطاليين ، وقال لنا :
إ ن كـنـتـمـا تـرغـبان فى مشاهدة الا ثار الرومانية فهناك قلعة قديمة على بعد ثلاثة فراسخ ، ولازالت تحتفظ بمعالمها ، وانا على استعداد لمرافقتكما الى ذلك المكان . ثمّ اردف كلامه بقوله :
إ نّى احتفظ بذكرى لاتنسى فى هذه القلعة حينما كانت آهلة بالسكّان ، واحسب انّى عشت سنين فيها .
إ نّ مـا قـاله القـسّ قـد اسـتـرعـى انـتـبـاهـى وفـغـرفـاهـى ، فـشـددنـا الرحـال الى القـلعـة بـمـعـيـّة القـسّ . ولمـّا وصـلنـا الى ركـن مـن اركـانـهـا بـادر بـالقـول :
كـان هـنا برج فى الزمان الغابر واصبح - كما ترون - ركاما فى الزمان الحاضر . وإ نّى لاتذكّر جيّدا انّه كان للبرج كوّة ، وفوق البرج مرصد للرماة الرومان ، يصعدون إ ليه بواسطة سلّة مصنوعة من الجلد . واضاف القسّ قائلا :
إ نّ جميع هذه المشاهد تتجسّد الا ن امام ناظرى بصورة جليّة وحيّة ، وكاءنّى رايتها امس .
وبـيـنـمـا كـنـت مـنـكـفـئا الى مـشـاهـده آثـار البـرج مـع صـديـقـى عـثـرت عـلى قـمـّة البـرج حول الكوّة ومحلّ السلّة الجلدية منه ، وبذلك اتّضح لى صدق كلام القسّ .
حاجّ يحيط بجبال مكّة وطرقها
سـافـرت عـام ( 1352 ه ) الى الديار المقدّسة ؛ لاداء فريضة الحجّ بصحبة احد العلماء الاعلام ، هو المرحوم آية اللّه الحـاج الشـيـخ مـوسـى الزنـجـانـى ( قده ) . انطلقنا من المدينة المنوّرة نحو مكّة المكرّمة ، وكان دليلنا فى رحـلتـنـا هـو الشـيـخ نـفـسـه ، عـلى الرغـم مـن كـونـه يـزور الديـار المـقـدّسـة لاوّل مـرّة ! فـكـان هـذا العـالم الجـليـل يـهـتـدى الى جـمـيـع الطـرق ، ويـعـرف اسـمـاء جـبـال مـكّة التى يجهلها اغلب اهلها ، ويحيط باءحيائها اكثر من سكّانها . طلب منّى يوما مرافقته فى الطواف ؛ لانّ الا زدحام كان على اشدّه ، فلبيّت طلبه ، ويممنا صوب المسجد الحرام .
وإ ذا بـصـاحـبـى يلمّ بجميع الطرق المؤ دّية إ ليه ، ويعرف الامكنة فى داخله اكثر منّى انا الذى زرت هذه الديار مرّات عديدة ! فـالتـفت إ لىّ يقول :
لا اعلم كيف احطت بهذه الاماكن ؟! ثمّ اردف قائلا :
لعلىّ قضّيت فترة طويلة فى هذه البقاع خـلال " عـالم الذرّ " ، ولكـن لا اعـلم فى اىّ زمان عشت هنا . وقال لى يوما بلغته التركية :
وقعت لى حادثة سوف اقـصـّهـا عـليـك يـومـا ، فـاسـتـشـفـفـت مـن خـلالهـا انّ روحـى كـانـت تـحـوم حـول هـذه المدينة بالبدن الذرّى فى عصر النبىّ الكريم ( صلى اللّه عليه و آله ) عندما كان فى مكّة ، فتعلّمت هذه الاسماء من ذلك الوقت .
صديق قديم
كتب السيّد " صالح جودت " رئيس تحرير مجلّة " الهلال " المصرية المقالة التالية فى مجلّته :
يـجـتـمـع كـثـيـر مـن عـلماء مصر العظام وكتّابها وشعراؤ ها وفنّانوها المشهورون كلّ يوم جمعة فى جناح من فندق " سميراميس " فى القاهرة ، ويطلق على هذا الجناح اسم " رواق الحكيم " .
يـدور الحـديـث فـى هـذا الاجـتـمـاع حـول المـواضـيـع العـلمـيـة والادبـيـة ، وحول عالم الارواح وعجائبه احيانا . ويتناول كثير من الحاضرين مواضيع تتحدّث عن الامور الخارقة للعادة ، كلمس يد لمريض يرقد فى فراش المرض فيبرا من مرضه ويشفى ، وقيام بعضهم بإ حضار اشياء مادّية من مكان بعيد ، وإ طـالة اليـد وتـطـويـحـهـا فـى الفـضـاء ، وغـيـرهـا مـن الامـور التـى لايـمـكـن إ يـجـاد تحليل وتفسير لها .
وقـد شـاركـت شـخـصـيـا فـى هـذا الاجتماع ، وحكيت لهم حكاية وقعت حوادثها عام ( 1959 م ) فى الولايات المتّحدة الامريكية ، وملخّصها مايلى :
ذهـبـت فـى اليـوم الاوّل من وصولى الى امريكا الى مصرف الامم المتّحدة مع رفيقى السودانى " محجوب صالح " لتـصـريـف الصـك ( exchange ) ، فـانـتـظـرنـا امـام شـعـبـة التـصـريـف فـى صـفـّ طـويـل ريـثـمـا يـاءتـى دورنـا . وكـان مـديـر المـصـرف يـقـعـد وحـده خـلف مـنـضـدة فـى مكان بعيد من القاعة وهو يـجـيـل نـظره بالمراجعين ، فالتقت نظراتنا صدفة ، فنهض من مكانه واشار إ لىّ عن بعد ، واتّجه نحوى بوجه مـكـفـهـّر يـمـشـى مـشى من نوّم تنويما مغنطيسيّا . وحينما وصل إ لىّ عانقنى بشوق وصافحنى بحرارة ، واخذ بيدى وقادنى الى غرفته واجلسنى على كرسىّ .
ثمّ ساءلنى :
الم تعرفنى ؟